فصل: (فَصْلٌ) فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [مَنْ يُباح له فِطْرُ رَمَضَانَ]:

(لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ) كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ (وَصَامَ، أَنْ يُفْطِرَ بِمَا شَاءَ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الْجِمَاعِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ.

.(فَصْلٌ): [شُروطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ]:

(وَشُرِطَ لِصِحَّةِ صَوْمٍ: إسْلَامٌ، وَعَقْلٌ، وَتَمْيِيزٌ، وَطُهْرٌ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ. وَ) شُرِطَ لِصِحَّتِهِ (نِيَّةٌ مُعَيِّنَةٌ لِمَا يَصُومُ) بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَضَائِهِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، (مِنْ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَكَالْقَضَاءِ. وَأَوَّلُ اللَّيْلِ وَوَسَطُهُ وَآخِرُهُ مَحِلٌّ لِلنِّيَّةِ، فَأَيُّ جُزْءٍ نَوَى فِيهِ أَجْزَأَهُ، (لِ) صَوْمِ (كُلِّ يَوْمٍ وَاجِبٍ)، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ يَوْمٍ بِفَسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ كَالْقَضَاءِ. (وَلَا تَسْقُطُ) النِّيَّةُ (بِسَهْوٍ أَوْ غَيْرِهِ)، فَلَوْ تَرَكَهَا جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْغُرُوبِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، (وَلَا يَضُرُّ لَوْ أَتَى بَعْدَهَا)، أَيْ: النِّيَّةِ (لَيْلًا بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ) لَا لِلنِّيَّةِ (مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَلَوْ بَطَلَتْ فَاتَ مَحِلُّهَا. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إتْيَانُهُ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ إذَا كَانَ مَا أَتَى بِهِ (غَيْرَ رِدَّةٍ)، أَمَّا الرِّدَّةُ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ النِّيَّةَ، وَتُزِيلُ التَّأَهُّلَ لِلْعِبَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا بِإِتْيَانِهِ بِالْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى مُبَيِّتِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ بِمُجَرَّدِ إفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ تَصِحُّ عِبَادَتُهُ؛ لِعَدَمِ صُنْعِهِ فِيهِ، فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) تُعْتَبَرُ (نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فَرْضًا، (اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ) عَنْهُ، وَكَالصَّلَاةِ، (وَلَوْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ غَدٍ، وَتَعْرِفُ أَنَّهَا تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرٍ، صَحَّ) لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، (وَمَنْ نَوَى) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: (إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِيٌّ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ)، لَمْ يُجْزِئْهُ، (أَوْ) نَوَى (عَنْ وَاجِبٍ) مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ (عَيَّنَهُ)، أَيْ: الْوَاجِبَ (بِنِيَّتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ؛ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا، (إلَّا إنْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ): إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، فَفَرْضِيٌّ (وَإِلَّا، فَأَنَا مُفْطِرٌ)، فَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ، لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ. (وَمَنْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ) بِأَنْ شَكَّ: هَلْ يَصُومُ أَوْ لَا؟ (أَوْ) قَصَدَ بِهَا (التَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ)، أَوْ الْقَصْدُ بِأَنْ تَرَدَّدَ: هَلْ يَنْوِي الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَزْمًا أَوْ لَا؟ (فَسَدَتْ نِيَّتُهُ)، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا، (وَإِلَّا) يَقْصِدْ الشَّكَّ، وَلَا التَّرَدُّدَ، (فَلَا) تَفْسُدُ نِيَّتُهُ (كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ)، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ صَوْمَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ. (وَكَقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ)، فَلَا يَفْسُدُ إيمَانُهُ بِذَلِكَ وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: يَحْرُمُ قَوْلُهُ: أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى، وَكَذَا أَكْلٌ وَشُرْبٌ بِنِيَّةِ صَوْمٍ) لِأَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ. (وَلَا يَصِحُّ) صَوْمٌ (مِمَّنْ جُنَّ) كُلَّ النَّهَارِ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلَّ النَّهَارِ)؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ؛ لِحَدِيثِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» فَأَضَافَ التَّرْكَ إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُضَافُ إلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا تُجْزِئُ. (وَيَصِحُّ) الصَّوْمُ (مِمَّنْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ (جُزْءًا مِنْهُ)، أَيْ: النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ (حَيْثُ نَوَى لَيْلًا)، لِصِحَّةِ إضَافَةِ التَّرْكِ إلَيْهِ إذَنْ، وَيُفَارِقُ الْجُنُونُ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بَلْ الصِّحَّةَ، وَيُحَرِّمُ فِعْلَهُ، (أَوْ نَامَ كُلَّهُ)، أَيْ: النَّهَارِ، فَيَصِحُّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَادَةٌ، وَلَا يَزُولُ بِهِ الْإِحْسَاسُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ. (وَيَقْضِي مُغْمًى عَلَيْهِ) زَمَنَ إغْمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَمُدَّةُ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ غَالِبًا، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ.
وَ(لَا) يَقْضِي (مَجْنُونٌ) زَمَنَ جُنُونِهِ، (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) سَوَاءٌ كَانَ زَمَنُ الْجُنُونِ كُلَّ الشَّهْرِ أَوْ بَعْضَهُ. (وَمَنْ) (نَوَى الْفِطْرَ) وَلَوْ سَاعَةً أُخْرَى بَطَلَ صَوْمُهُ، (أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ)، أَيْ: الْفِطْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ (أَوْ) نَوَى (إنْ وَجَدْتُ طَعَامًا أَكَلْتُ وَإِلَّا) أَجِدُ طَعَامًا (أَتْمَمْتُ، بَطَلَ صَوْمُهُ) لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ (كَصَلَاةٍ)، أَيْ: كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفَسْخِ النِّيَّةِ، إذْ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، إلَى فَرَاغِ كُلِّ عِبَادَةٍ شَرْطٌ. (وَصَحَّ أَنْ يَنْوِيَهُ)، أَيْ: صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَى الْإِفْطَارَ (فِيهِ نَفْلًا بِغَيْرِ رَمَضَانَ) نَصَّ عَلَيْهِ، (لِصِحَّةِ نِيَّةِ صَوْمِ نَفْلٍ نَهَارًا، وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنِّي إذَنْ صَائِمٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نِيَّةِ التَّبْيِيتِ لِنَفْلِ الصَّوْمِ تُقَلِّلُهُ، وَتُفَوِّتُ كَثِيرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْدُو لَهُ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ لِنَشَاطٍ يَبِينُ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَبِينُ لَهُ فِي اللَّيْلِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يُسَامَحَ فِيهِ بِذَلِكَ، كَمَا سُومِحَ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَالتَّوَجُّهِ فِي السَّفَرِ، وَفَارِقُ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ نَفْلِ الصَّلَاةِ كَفَرْضِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى تَقْلِيلِهَا، وَلِأَنَّ جَعْلَهُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ سَائِغٌ مُمْكِنٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْفَرْضِ؛ لِوُجُوبِهِ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ. (وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهَا)، أَيْ: النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَلَا يَقَعُ عِبَادَةً؛ لِحَدِيثِ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (فَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ مِنْ) حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ (طَهُرَتْ) فِي يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ بَقِيَّتِهِ، (أَوْ)، أَيْ: يَصِحُّ تَطَوُّعُ كَافِرٍ (أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَأْتِيَا)، أَيْ: الَّتِي طَهُرَتْ، وَاَلَّذِي أَسْلَمَ (فِيهِ)، أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (بِمُفْسِدٍ مِنْ نَحْوِ أَكْلٍ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ. (وَمَنْ قَطَعَ نِيَّةَ صَوْمِ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ ثُمَّ نَوَى صَوْمًا نَفْلًا، صَحَّ) نَفْلُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ (وَحَرُمَ الْقَطْعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (وَإِنْ قَلَبَ صَائِمٌ نِيَّةً نَحْوَ نَذْرٍ) كَقَضَاءٍ (نَفْلًا، صَحَّ) كَقَلْبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ نَفْلًا، (وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ كَالصَّلَاةِ، (وَكَذَا قَضَاءٌ) وَيَصِحُّ قَلْبُهُ نَفْلًا (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (مُسْتَدِلًّا بِعَدَمِ صِحَّةِ نَفْلِ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ) قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ قَلْبِهِ نَفْلًا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا، وَجَزَمَ بِصِحَّتِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى (وَمَنْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا أَوْ) نَوَى قَضَاءً وَ(نَذْرًا) أَوْ نَوَى قَضَاءً (وَكَفَّارَةً فَ) هُوَ (نَفْلٌ)، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ نَوَى.. إلَى آخِرِهِ: هَذَا مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ، أَوْ قَالَ: وَكَذَا مَنْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ.. إلَى آخِرِهِ، لَسَلِمَ مِنْ إهْمَالِ الْإِشَارَةِ لِلْخِلَافِ.

.(بَابٌ) (مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ) فَقَطْ وَمَا يُفْسِدُهُ (وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(يَفْسُدُ) صَوْمٌ (بـِ) مُجَرَّدِ خُرُوجِ دَمِ (حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَرِدَّةٍ)، سَوَاءٌ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي يَوْمِهِ، أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (وَ) كَمَا يَفْسُدُ (بِمَوْتٍ) لِزَوَالِ أَهْلِيَّتِهِ، وَيُطْعِمُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَأْتِي.
(وَ) كَمَا يَفْسُدُ (بِعَزْمٍ عَلَى فِطْرٍ) وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يَفْسُدُ أَيْضًا (بِعَمْدِ قَيْءٍ، وَلَوْ قَلَّ) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاه الْخَمْسَةُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بـِ) تَعَمُّدِ قَيْءٍ (نَحْوِ بَلْغَمٍ) كَدَمٍ وَمِرَارٍ وَنَحْوِهِ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ صَرَّحَ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ طَعَامًا أَوْ مِرَارًا أَوْ بَلْغَمًا أَوْ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ قَلَّ. انْتَهَى.
وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ، (أَوْ) أَيْ: وَيَفْسُدُ صَوْمٌ (بِحَجْمٍ أَوْ احْتِجَامٍ خَاصَّةً)، أَيْ: لَا بِفَصْدٍ أَوْ تَشْرِيطٍ أَوْ بِإِخْرَاجِ دَمِ رُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَجْمُ فِي الْقَفَا أَوْ السَّاقِ نَصًّا (إنْ ظَهَرَ دَمٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ- «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ،» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.- مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيهِ كَانَ يُعِدُّ الْحِجَامَ وَالْمَحَاجِمَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَابَتْ احْتَجَمَ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ فَلَا فِطْرَ.
(وَ) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِإِنْزَالِ مَنِيٍّ) بِتَكْرَارِ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَلْتَذُّ بِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ، وَ(لَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ بِإِنْزَالِ (مَذْيٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى إنْزَالِ الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ فِي الْأَحْكَامِ.
(وَ) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِإِنْزَالِهِمَا) أَيْ: الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ (بِاسْتِمْنَاءٍ)، أَيْ: اسْتِدْعَاءٍ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، (أَوْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ عَمْدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْإِمْنَاءُ، فَلِمُشَابَهَتِهِ الْإِمْنَاءَ بِجِمَاعٍ، لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ، وَأَمَّا الْإِمْذَاءُ فَلِتَخَلُّلِ الشَّهْوَةِ لَهُ، وَخُرُوجِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيُشْبِهُ الْمَنِيَّ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَوْلَ (وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ)؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَكَذَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ بِـ (كُلِّ مَا يَصِلُ لِمُسَمًّى جَوْفٌ) كَالدِّمَاغِ وَالْحَلْقِ وَالدُّبُرِ، وَبَاطِنِ الْفَرْجِ، (فَيُفْطِرُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَلَوْ رِيقًا أَخْرَجَهُ بَيْنَ شَفَتَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} فَأَبَاحَهَا إلَى غَايَةٍ، وَهِيَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا إلَى اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، (أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَلِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ، وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يُغَذِّيهِ، فَيُفْطِرُ كَجَوْفِ الْبَدَنِ. (أَوْ احْتَقَنَ) فِي دُبُرِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَاطِ. (أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ، فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ) لِإِيصَالِهِ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ (أَوْ اكْتَحَلَ بِمَا عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى حَلْقِهِ مِنْ كُحْلٍ أَوْ صَبِرٍ أَوْ قُطُورٍ أَوْ ذَرُورٍ أَوْ إثْمِدٍ) وَلَوْ يَسِيرًا، أَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ يَتَحَقَّقُ وُصُولُهُ إلَى حَلْقِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَكَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ. (أَوْ وَجَدَ طَعْمَ عِلْكٍ مَضَغَهُ) بِحَلْقِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، (أَوْ) وَجَدَ طَعْمَ (طَعَامٍ ذَاقَهُ بِحَلْقِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ وُصُولِ أَجْزَائِهِ إلَيْهِ، (أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ مَائِعٍ وَغَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مُغَذِّيًا أَوْ لَا، كَحَصَاةٍ وَرَأْسِ سِكِّينٍ، وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ، مَنْ فَعَلَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، (أَوْ قَطَرَ) بِالتَّخْفِيفِ (فِي أُذُنِهِ مَا)، أَيْ: شَيْئًا (وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ، (وَكَذَا لَوْ وَصَلَ إلَى فَمِهِ نُخَامَةٌ مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ حَلْقِهِ أَوْ صَدْرِهِ، فَابْتَلَعَهَا، فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِعَدَمِ مَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْبُصَاقِ، (أَوْ) وَصَلَ إلَى فَمِهِ (قَيْءٌ أَوْ قَلْسٌ) بِسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ: مَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، (أَوْ تَنَجَّسَ رِيقُهُ فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: مِنْ النُّخَامَةِ أَوْ الْقَيْءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ فَسَدَ صَوْمُهُ. (وَيَحْرُمُ بَلْعُهُ) شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (وَلَوْ غَيْرَ صَائِمٍ لِاسْتِقْذَارِهِ) فِي النُّخَامَةِ (أَوْ نَجَاسَةٍ) فِي غَيْرِهَا، (وَلَكِنْ لَوْ بَصَقَ حَتَّى انْقَطَعَ أَثَرُ نَجَاسَةٍ، ثُمَّ بَلَعَ رِيقَهُ، لَمْ يُفْطِرْ)، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَصَقَهُ، وَبَقِيَ فِي فَمِهِ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ، فَإِنَّ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا، أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا. (كَمَا لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُفْطِرُ نَاسِيًا)؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَيَجِبُ تَذْكِيرُهُ)، أَيْ: النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، (كَإِعْلَامِ جَاهِلٍ) أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِمَّا يُضْطَرُّ بِهِ فَاعِلُهُ، (أَوْ) فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُفْطِرُ (مُكْرَهًا)؛ لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (أَوْ) كَانَ (غَيْرَ قَاصِدٍ لِبَلْعِ نَحْوِ غُبَارٍ) كَذُبَابٍ طَارَ إلَى حَلْقِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَاصِدِ عَاقِلٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، (وَلَوْ بِوَجُورِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً)؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِفَصْدٍ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، (وَ) لَا بِـ (شَرْطٍ)، وَلَا جَرْحٍ بَدَلَ حِجَامَةٍ لِلتَّدَاوِي، (وَ) لَا يَفْسُدُ صَوْمٌ بِـ (غِيبَةٍ وَسَمَاعِهَا) لِمَا يَأْتِي، (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمُ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ كَ (إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ) أَوْ نَخْلٌ، نَحْوُ دَقِيقٍ كَاكْتِيَالِهِ حَبًّا فَدَخَلَ الْغُبَارُ حَلْقَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ الدُّخَانَ قَصْدًا فَسَدَ صَوْمُهُ. (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَفْسُدُ صَوْمٌ إنْ (دَخَلَ فِي قُبُلٍ)- كَإِحْلِيلٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْقُبُلُ (لِأُنْثَى- غَيْرَ ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ كَإِصْبَعِ وَعُودٍ)، وَذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِلَا إنْزَالٍ؛ لِأَنَّ مَسْلَكَ الذَّكَرِ مِنْ الْفَرْجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَالْفَمِ لِوُجُوبِ غَسْلِ نَجَاسَةٍ، وَإِذَا ظَهَرَ حَيْضُهَا إلَيْهِ فَسَدَ صَوْمُهَا، وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ، وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، وَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَالدُّبُرِ، وَإِنَّمَا فَسَدَ صَوْمُهَا بِإِيلَاجِ ذَكَرِ الرَّجُلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا لَا لِكَوْنِهِ وُصُولًا إلَى بَاطِنٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْلَجَ أُصْبُعَهُ فِي قُبُلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا، وَالْجِمَاعُ يَفْسُدُ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، فَأُقِيمَ مَقَامَ الْإِنْزَالِ؛ وَلِهَذَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ، أَفَادَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَقَالَا: وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ غَيَّبَ فِيهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ نُفَطِّرْهُ بِذَلِكَ، وَالْمَثَانَةُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، فَمَسْلَكُ الذَّكَرِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ أَوْلَى (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ أَوْلَجَ بِغَيْرِ أَصْلِيٍّ فِي أَصْلِيٍّ فَسَدَ صَوْمُهَا فَقَطْ، لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فَيَفْسُدُ بِإِدْخَالِ غَيْرِ الْأَصْلِيِّ كَأُصْبُعِهَا وَأُصْبُعِ غَيْرِهَا، وَأَوْلَى، وَمَا قَالَ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِوَاصِلٍ أَوْ بِخَارِجٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْوَطْءُ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ إنَّمَا جَعَلَ الْقَاضِي الْوَطْءَ فِي حُكْمِ الْوَاصِلِ؛ لِيُدْخِلَهُ تَحْتَ حَصْرِهِ لِأَقْسَامِ الْفِطْرِ فِي الْقِسْمَيْنِ الْوَاصِلِ وَالْخَارِجِ لَا لِعِلَّةِ الْوُصُولِ، وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ، وَلَا وَاصِلَ، وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِكُلِّ وَاصِلٍ بِدَلِيلِ مَا وَصَلَ مِنْ إحْلِيلِهِ إلَى الْمَثَانَةِ، وَلَا بِكُلِّ خَارِجٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِخُرُوجِ دَمِ الْفَصْدِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ): لَا يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا غَيْرَ (مُتَّصِلٍ)، إذْ الْمُنْفَصِلُ كَالزَّائِدِ وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ، أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا. (أَوْ أَنْزَلَ) نَهَارًا (مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْهِ فِي النَّهَارِ (أَوْ) أَنْزَلَ (لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا أَوْ احْتَلَمَ) أَوْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوْ الْمَذْيُ لِمَرَضٍ، أَوْ حِمْلٍ ثَقِيلٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ، أَوْ لِهَيَجَانِ شَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا فِطْرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ. (أَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ) لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ عَادَ شَيْءٌ مِنْ فِيهِ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، (أَوْ أَصْبَحَ، وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ)، أَيْ: رَمَاهُ، لَمْ يُفْطِرْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ، لَمْ يُفْطِرْ، (أَوْ لَطَّخَ بَاطِنَ نَحْوِ قَدَمِهِ) بِشَيْءٍ (أَوْ) لَطَّخَ (ظَهْرَهُ بِشَيْءٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الْقَدَمَ غَيْرُ نَافِذٍ لِلْجَوْفِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، (أَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ) أَوْ غَيَّبَ فِيهِ (مَا)، أَيْ: شَيْئًا (وَصَلَ لِمَثَانَتِهِ) لَمْ يُفْطِرْ نَصًّا، (أَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ) فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ. (وَلَوْ) تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ (فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ بَالَغَ فِيهِمَا أَوْ) كَانَا (لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا) كَقَذَرٍ لَمْ يُفْطِرْ لِحَدِيثِ عُمَرَ «لَمَّا سَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ، قَالَ: فَفِيمَ» وَلِوُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ بِلَا قَصْدٍ، أَشْبَهَ الْغُبَارَ (وَكُرِهَا)، أَيْ: التَّمَضْمُضُ وَالِاسْتِنْشَاقُ (عَبَثًا أَوْ سَرَفًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ) نَصًّا، وَقَالَ: يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَعْجَبُ إلَيَّ (كَغَوْصِهِ)، أَيْ: الصَّائِمِ (فِي مَاءٍ)، فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ (لَا لِغُسْلٍ مَشْرُوعٍ أَوْ تَبَرُّدٍ) وَلَهُمَا لَا يُكْرَهُ فَإِنْ غَاصَ فِي مَاءٍ (فَدَخَلَ) الْمَاءُ (حَلْقَهُ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ صَائِمٍ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ الْحَرِّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، قَالَ الْمَجْدُ: وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ، (أَوْ بَلَعَ مَا بَقِيَ فِي فَمِهِ مِنْ أَجْزَاءِ مَاءٍ مَجَّهُ أَوْ مَا عَلَى لِسَانِهِ مِنْ رِيقٍ أَخْرَجَهُ، وَلَوْ كَثُرَ) لَمْ يُفْطِرْ، (أَوْ) بَلَعَ (مَا قَلَّ مِنْهُ)، أَيْ: الرِّيقِ (عَلَى نَحْوِ دِرْهَمٍ) كَعُودٍ (أَوْ خَيْطٍ؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْفِصَالِهِ)، أَيْ: الرِّيقِ عَنْ نَحْوِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْخَيْطَ أَوْ نَحْوَ الدِّرْهَمِ، وَأَعَادَهُ إلَى فَمِهِ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ (شَاكًّا فِي طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ طُلُوعَهُ إذْ ذَاكَ، لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ) فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ، وَقَصْدُهُ غَيْرُ الْيَقِينِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْمُرَادُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ-: اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ انْتَهَى.
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَهُ، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِ الْوَاجِبِ، قَضَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الْإِقْنَاعِ جَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ، مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرَهُ جَعَلُوهُمَا هَا هُنَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَخَصُّوا الْمَنْعَ بِالْيَقِينِ، وَاعْتَبَرُوهُ بِالشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ، فَقَالُوا: إنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ، فَلَا أَثَرَ لِلظَّنِّ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ، (فَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ) مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ: (طَلَعَ) الْفَجْرُ،
(وَقَالَ آخَرُ) مِنْهُمَا: (لَمْ يَطْلُعْ) الْفَجْرُ، (أَكَلَ) الْقَائِلُ بِعَدَمِ الطُّلُوعِ (حَتَّى يَتَّفِقَا)، إذْ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ جَائِزٌ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ)، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ يُزِيلَ ذَلِكَ الظَّنَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِصَابَةِ بَعْدَ صَلَاتِهِ (وَإِنْ بَانَ) لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ ظَانًّا (أَنَّهُ طَلَعَ) الْفَجْرُ قَضَى؛ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ، (أَوْ أَكَلَ وَنَحْوَهُ شَاكًّا فِي غُرُوبِ) شَمْسٍ (وَدَامَ شَكُّهُ)، قَضَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ وَقْتٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ غَرَبَتْ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِتَمَامِ صَوْمِهِ، (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ (يَعْتَقِدُهُ نَهَارًا، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّتَهُ لِ) صَوْمِ (وَاجِبٍ)، قَضَى؛ لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِذَلِكَ، فَيَحْصُلُ الْإِمْسَاكُ بِلَا نِيَّةٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، قَالَ شَكَّ أَوْ ظَنَّهُ لَيْلًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ غَيْرُ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا، (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوُهُ فِي وَقْتٍ يَعْتَقِدُهُ (لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا) فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ أَوْ آخِرِهِ، قَضَى؛ لِأَنَّهُ- تَعَالَى- أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ، وَلَمْ يُتِمَّ. وَعَنْ أَسْمَاءَ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ- وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ-: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. (أَوْ أَكَلَ) وَنَحْوَهُ (نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ) بِذَلِكَ، (فَأَكَلَ) وَنَحْوَهُ (عَمْدًا قَضَى فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ.

.(فَرْعٌ): [الْغُسل قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ]:

(سُنَّ لِمَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَيْلًا مِنْ نَحْوِ جُنُبٍ وَحَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهَا وَكَافِرٍ أَسْلَمَ (أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَاحْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ (فَلَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ مُطْلَقًا) لَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ، (صَحَّ صَوْمُهُ، وَأَثِمَ مِنْ حَيْثُ) تَأْخِيرُ. (الصَّلَاةِ) عَنْ وَقْتِهَا.

.(فَصْلٌ) فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ:

(وَإِنْ جَامَعَ مُكَلَّفٌ نَهَارَ رَمَضَانَ لِغَيْرِ شَبَقٍ وَعُذْرٍ مُبِيحٍ لِفِطْرٍ كَمَرَضٍ) يَنْتَفِعُ بِالْوَطْءِ فِيهِ، (وَسَفَرٍ وَلَوْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا)، فَبَانَ بِخِلَافِهِ (أَوْ) وَطِئَ (فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ بَعْدَ لُزُومِهِ) بِثُبُوتِ رُؤْيَةٍ نَهَارًا، أَوْ عَدَمِ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُنَافِي الصَّوْمَ، (أَوْ) جَامَعَ فِي يَوْمٍ (رَأَى الْهِلَالَ لَيْلَتَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ)، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا)؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَنْتَشِرُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ، فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُكْرَهِ، (أَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُخْطِئًا، كَأَنْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا، (أَوْ نَائِمًا أَوْ لَمْ يُنْزِلْ)، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ الْمَوَاقِعَ عَنْ حَالِهِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، فَأَفْسَدَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ (بِذَكَرٍ)- مُتَعَلِّقٌ بِ جَامَعَ- (أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ دُبُرًا أَوْ (لِمَيْتَةٍ أَوْ) لِـ (بَهِيمَةٍ)؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ، (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِجِمَاعِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَالَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ- وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ- فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَ بَيْتِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: «وَتَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ». (وَإِنْ جَامَعَ دُونَ فَرْجٍ، وَلَوْ عَمْدًا)، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ إنْ أَمْنَى أَوْ مَذَى، (أَوْ) جَامَعَ (بِغَيْرِ) فَرْجٍ (أَصْلِيٍّ) كَفَرْجِ الْخُنْثَى (فِي) فَرْجٍ (أَصْلِيٍّ وَعَكْسُهُ)، كَمَا لَوْ جَامَعَ بِفَرْجٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ، (فـَ) عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ، فَقَطْ إنْ أَمْنَى أَوْ مَذَى) وَمِثْلُهُ لَوْ جَامَعَ بِفَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ، كَمَا لَوْ جَامَعَ خُنْثَى مُشْكِلٌ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَفْسُدْ صَوْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ أَوْ يُمْذِيَ كَالْغُسْلِ، (وَمِثْلُهُ)، أَيْ. مِثْلُ الْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ وَنَحْوِهِ فِي الْحُكْمِ: (الْمُسَاحَقَةُ مِنْ مَجْبُوبٍ)، أَيْ: مَقْطُوعٍ ذَكَرُهُ أَوْ مَمْسُوحٍ، (أَوْ) الْمُسَاحَقَةُ مِنْ (امْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ) فِي أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ أَمْنَى مِنْهُمَا أَوْ مَذَى، وَلَا كَفَّارَةَ صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ، (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) حَيْثُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُسَاحَقَةِ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ بِحَائِلٍ وَلَمْ يُنْزِلْ)، أَوْ يُمْذِ، (كـَ) مَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (غُسْلٌ)، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ)؛ لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَالْإِيلَاجِ، (فَيَلْزَمَانِ)، أَيْ: الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ (مَنْ نَزَعَ طُلُوعَ فَجْرٍ) وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ، فَنَزَعَ، فَلَا حِنْثَ؛ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ إمْكَانِهِ. (وَامْرَأَةٌ طَاوَعَتْ غَيْرَ جَاهِلَةٍ) الْحُكْمَ، (أَوْ) غَيْرَ (نَاسِيَةٍ) الصَّوْمَ (كَرَجُلٍ) فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ مُطَاوِعَةً، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ، وَلِأَنَّ تَمْكِينَهَا كَفِعْلِ الرَّجُلِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَفِي الْكَفَّارَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً أَوْ نَاسِيَةً، (فـَ) عَلَيْهَا (الْقَضَاءُ فَقَطْ) دُونَ الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمُضْطَرَّاتِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَالْأَكْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُكْرَهَةِ. (وَتَدْفَعُهُ) الْمُكْرَهَةُ، زَوْجَةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، (بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلِ، وَلَوْ أَدَّى) ذَلِكَ (لِقَتْلِهِ) كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَتَّجِهُ: تَفْصِيلُ) غُلَامٍ (مَفْعُولٍ بِهِ، كَ) تَفْصِيلِ (امْرَأَةٍ) فِي الْمُطَاوَعَةِ وَالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَضِدِّ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا كَفَّارَةَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ نَهَارَ رَمَضَانَ مِنْ أَكْلٍ وَنَحْوِهِ عَمْدًا) كَمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ مَعَ إنْزَالٍ، وَلَا بِالْجِمَاعِ لَيْلًا، أَوْ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَنَّمَا وَرَدَ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ، لِاحْتِرَامِهِ وَتَعْيِينِهِ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. (وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ، ثُمَّ) جَامَعَ (فِي) يَوْمٍ (آخَرَ، فَلِكُلِّ) جِمَاعٍ (كَفَّارَةٌ)، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِفَسَادِهِ لَوْ انْفَرَدَ، فَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَجَبَ كَفَّارَتَانِ، كَحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ، (كَمَنْ أَعَادَهُ)، أَيْ: الْجِمَاعَ (فِي يَوْمِهِ بَعْدَ أَنَّ كَفَّرَ)؛ لِجِمَاعِهِ الْأَوَّلِ، فَتَلْزَمُهُ ثَانِيَةً نَصًّا، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ وَطِئَ فِي يَوْمِهِ، دَخَلَتْ بَقِيَّتُهُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهِ، لَزِمَتْهُ أُخْرَى، (أَوْ وَطِئَ فِي حَيْضَةٍ بَعْدَهُ)، أَيْ: التَّكْفِيرِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ لِلْوَطْءِ الثَّانِي وَ(لَا) يُكَفِّرُ ثَانِيًا إذَا وَطِئَ فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ لِتَدَاخُلِ الْكَفَّارَاتِ، (إلَّا) إنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ (بِحَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ)، فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَتَيْنِ، لِأَنَّ لِكُلِّ حَيْضَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا. (وَلَوْ حَاضَتْ) الْمَرْأَةُ وَهِيَ مُجَامَعَةٌ، (فَنَزَعَ) فِي الْحَالِ، (لَزِمَتْهُ) الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَسْقُطُ) كَفَّارَةُ وَطْءٍ عَنْ امْرَأَةٍ (إنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفِسَتْ) فِي يَوْمٍ بَعْدَ تَمْكِينِهَا طَاهِرًا، (أَوْ مَرِضَا)، أَيْ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ حَالَ الصِّحَّةِ، (أَوْ جُنَّا أَوْ سَافَرَا بَعْدَ) وَطْءٍ مُحَرَّمٍ (فِي يَوْمِهِ)، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمَا الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ الْأَعْرَابِيَّ: هَلْ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ وَطْئِهِ مَرَضٌ أَوْ غَيْرُهُ، بَلْ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَسَأَلَهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَقَرَّتْ كَفَّارَتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ الْعُذْرُ، لَا يُقَالُ: تَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الصَّادِقَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ، لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ. (وَهِيَ)، أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارٍ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الرَّقَبَةَ، أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ، (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِلْخَبَرِ، (وَيَتَعَيَّنُ صَوْمٌ لِقِنٍّ) ذَكَرٍ وَطِئَ مُطْلَقًا، أَوْ أُنْثَى وُطِئَتْ مُطَاوِعَةً، وَلَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ الْمَالِ.
وَ(لَا) يَتَعَيَّنُ (عِتْقٌ لِ) حُرٍّ (مُعْسِرٍ أَيْسَرَ، وَلَوْ) كَانَ إيسَارُهُ (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي صَوْمٍ)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (هُنَا)، أَيْ: فِي هَذَا الْمَحَلِّ، حَيْثُ اعْتَمَدَ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْعِتْقِ نَصًّا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَيُجْزِئُهُ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ، (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْخَبَرِ؛ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ، لِمَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ، (سَقَطَتْ، كَكَفَّارَةِ حَيْضٍ وَفِطْرَةٍ)، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَهْلَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى، وَلَا بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ، (بِخِلَافِ كَفَّارَةِ حَجٍّ)، أَيْ: فِدْيَةٍ تَجِبُ فِيهِ، (وَ) كَفَّارَةِ (ظِهَارٍ، وَ) كَفَّارَةِ (يَمِينٍ) بِاَللَّهِ، (وَ) كَفَّارَةِ (نَذْرٍ، وَ) كَفَّارَةِ (قَتْلٍ)؛ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا لِلْوُجُوبِ حَالَ الْإِعْسَارِ، وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا، (وَ) كَ (إطْعَامِ عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، وَمُؤَخِّرٍ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِ) رَمَضَانَ (آخَرَ،) (وَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ)، أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارِ رَمَضَانَ، وَحَجٍّ وَظِهَارٍ وَيَمِينٍ، وَنَذْرٍ وَقَتْلٍ وَإِطْعَامِ عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ، وَمُؤَخِّرٍ الْقَضَاءَ (بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ) بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ (عَنْهُ بِإِذْنِهِ)؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ كَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْهُ فَلَا؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، (وَلَهُ)، أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (إنْ مَلَكَ)، أَيْ: مَلَّكَهُ غَيْرُهُ (كَفَّارَةَ جِمَاعِ رَمَضَانَ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَ) لَهُ (أَكْلُهَا إنْ كَانَ أَهْلًا) لِأَكْلِهَا لِلْخَبَرِ.

.(فَرْعٌ): [لَا يَحْرُمُ وَطْءٌ قَبْلَ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ]:

(لَا يَحْرُمُ وَطْءٌ قَبْلَ كَفَّارَةِ) رَمَضَانَ، (وَلَا فِي لَيَالِي صِيَامِهَا) أَيْ: الْكَفَّارَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، (عَكْسُ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ)، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ.

.(بَابٌ) (مَا يُكْرَهُ وَيُسَنُّ بِصَوْمٍ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ) لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ:

(كُرِهَ لِصَائِمٍ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ)، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا، فَكَذَا إذَا جَمَعَهُ.
(وَ) يُكْرَهُ لَهُ (ذَوْقُ طَعَامٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَلْقِهِ فَيُفْطِرَهُ، قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ لَا بَأْسَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) إلَى ذَوْقِهِ، أَمَّا لِلْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، ذَكَرَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (تَرْكُ بَقِيَّةِ) طَعَامٍ (بَيْنَ أَسْنَانِهِ) خَشْيَةَ خُرُوجِهِ، فَيَجْرِي بِهِ رِيقُهُ إلَى جَوْفِهِ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (شَمُّ مَا لَا يُؤْمَنُ) مِنْ شَمِّهِ (أَنْ يَجْذِبَهُ)، أَيْ: يَجْذِبَ جِرْمَ (نَفَسٍ) لِحَلْقِ شَامٍ (كَسَحِيقِ مِسْكٍ، وَ) سَحِيقِ (كَافُورٍ، وَ) كَ (دُهْنٍ) وَبَخُورٍ وَنَحْوِ عُودٍ خَشْيَةَ وُصُولِهِ مَعَ نَفَسِهِ إلَى جَوْفِهِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَمُّ نَحْوِ وَرْدٍ وَقِطَعِ عَنْبَرٍ وَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (قُبْلَةٌ، وَدَوَاعِي وَطْءٍ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ، وَتَكْرَارِ نَظَرٍ لِمُبَاحَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْقُبْلَةِ: قُبْلَةُ التَّلَذُّذِ، لَا قُبْلَةُ التَّرَحُّمِ وَالتَّوَدُّدِ، فَأَمَّا مَنْ تُحْرَمُ قُبْلَتُهُ فِي الْفِطْرِ فَفِي الصَّوْمِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، (لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ الْقُبْلَةِ شَابًّا، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ سَعْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَمْ تُكْرَهْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُقَبِّلُ، وَهُوَ صَائِمٌ؛ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ» وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ بِمَعْنَاهُ.
(وَ) كُرِهَ لَهُ (مَضْغُ عِلْكٍ لَا يَتَحَلَّلُ) مِنْهُ أَجْزَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ وَيَحْلُبُ الْفَمَ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ، فَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ (وَحَرُمَ) مَضْغُ (مَا يَتَحَلَّلُ) مِنْهُ أَجْزَاءٌ مِنْ عِلْكٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيصَالِ شَيْءٍ خَارِجٍ إلَى جَوْفِهِ مَعَ الصَّوْمِ، وَهُوَ حَرَامٌ، (وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ) إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ.
(وَ) حَرُمَ (نَحْوُ قُبْلَةٍ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ (لِمَنْ ظَنَّ إنْزَالًا)، بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.
(وَ) حَرُمَ (تَعَاطِي كُلِّ مُفْطِرٍ) إجْمَاعًا. (وَيَجِبُ) مُطْلَقًا (اجْتِنَابُ كَذِبٍ) مُحَرَّمٍ، أَمَّا الْكَذِبُ لِتَخْلِيصِ مَعْصُومٍ مِنْ قَتْلٍ فَوَاجِبٌ، وَلِإِصْلَاحٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَمُبَاحٌ، (وَغِيبَةٍ) مُحَرَّمَةٍ، أَمَّا الْغِيبَةُ فِي حَقِّ ذَوِي الْبِدَعِ وَالْمُتَجَاهَرِينَ بِالْمَعَاصِي، وَلِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِهَا كَالتَّظَلُّمِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَّا بِهِ، فَمُبَاحَةٌ، (وَنَمِيمَةٍ)، وَهِيَ: ذِكْرُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ إفْسَادِ الْمَوَدَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ، (وَشَتْمٍ)، أَيْ: سَبٍّ (وَفُحْشٍ)، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كُلُّ مَا اشْتَدَّ قُبْحُهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي (وَنَحْوِهِ) كُلَّ وَقْتٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، وَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَ) وُجُوبُ اجْتِنَابِ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ، وَ) فِي كُلِّ (مَكَانٍ فَاضِلٍ) كَالْحَرَمَيْنِ (آكَدُ)؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَمَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ، وَلِأَنَّ الْحَسَنَاتِ تَتَضَاعَفُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْفَاضِلَيْنِ، وَكَذَا السَّيِّئَاتُ عَلَى مَا يَأْتِي.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ): يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ (يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِيَ)، أَيْ: يُجَادِلَ (وَيَصُونَ صَوْمَهُ) وَلَا يَغْتَابَ أَحَدًا، أَيْ: يَذْكُرَهُ بِمَا يَكْرَهُ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ الْغِيبَةُ فِي بَهْتٍ، وَالْغِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَتَقَدَّمَ. (وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَوْزِيِّ (ثَوَابَهُ)، أَيْ: الصَّوْمِ (بِغِيبَةٍ وَنَحْوِهَا) كَنَمِيمَةٍ، (وَلَا فِطْرَ) بِذَلِكَ، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ).
تَتِمَّةٌ:
لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ، فَإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا، وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا فَيَجِبُ كَفُّ لِسَانِ الصَّائِمِ عَمَّا يَحْرُمُ.